الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
قوله جلّ ذكره: {أَلاََّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَأَن لَّيْسَ للإِنْسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأَوْفَى}.الناسُ في سَعْيِهم مختلِفون؛ فَمَنْ كان سعيُهُ في طلب الدنيا خَسِرت صفقتُه، ومن كان سعيُهُ في طَلَبِ الجنة ربحت صفقته، ومن كان سعيُهُ في رياضة نَفْسِه وصل إلى رضوان الله، ومَنْ كان سعيُه في الإرادة شَكَرَ اللَّهُ سَعْيَه ثم هداه إلى نَفْسِه.وأمَّا المُذْنِبُ- فإِذا كان سعيُهُ في طلب غفرانه، ونَدَمِ القلبِ على ما اسودَّ من ديوانه، فسوف يجد من الله الثوابَ والقربة والكرامة والزلفة.ومَنْ كان سَعْيُه في عَدِّ أنفاسِه مع الله؛ لا يُعَرِّج على تقصير، ولا يُفَرِّط في مأمور فسيرى جزاءَ سَعْيهِ مشكورًا في الدنيا والآخرة، ثم يشكره بأَنْ يُخاطِبَه في ذلك المعنى بإِسماعهِ كلامَه من غير واسطة: عبدي، سَعْيُك مشكور، عبدي، ذَنْبُكَ مغفور.{ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأَوْفَى}: هو الجزاءُ الأكبرُ والأَجَلُّ، جزاءٌ غير مقطوعٍ ولا ممنوعٍ.قوله جلّ ذكره: {وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتُهَى}.إليه المرجعُ والمصيرُ، فابتداءُ الأشياءِ من الله خَلْقًا. وانتهاءُ الأشياءِ إلى الله مصيرًا.ويقال: إذا انتهى الكلامُ إلى اللَّهِ تعالى فاسْكُتُوا.ويقال: إذا وَصَلَ العبدُ إلى معرفةِ الله فليس بعدَه شيءٌ إلا ألطافًا من مالٍ أو منالٍ أو تحقيق آمالٍ أو أحولٍ يُجْريها على مرادِه- وهي حظوظٌ للعباد.قوله جلّ ذكره: {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى}.أراد به الضحك والبكاء المتعارَف عليهما بين الناس؛ فهو الذي يُجْريه ويَخْلُقُه.ويقال: أضحك الأرضَ بالنباتِ، وأبكى السماءَ بالمطرِ.ويقال: أضحكَ أهلَ الجنة بالجنة، وأبكى أهل النار بالنار.ويقال: أضحك المؤمنَ في الآخرة وأبكاه في الدنيا، وأضحك الكافرَ في الدنيا وأبكاه في الآخرة.ويقال: أضحكهم في الظاهر، وأبكاهم بقلوبهم.ويقال: أضحك المؤمنَ في الآخرة بغفرانه، وأبكى الكافرَ بهوانه.ويقال: أضحك قلوبَ العارِفِين بالرضا، وأبكى عيونهم بخوف الفراق.ويقال: أضحكهم برحمته، وأبكى الأعداءَ بسخطه.قوله جلّ ذكره: {وََأنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا}.أماته في الدنيا، وأحياه في القبر؛ فالقبر إما للراحة وإِما للإحساس بالعقوبة.ويقال: أماته في الدنيا، وأحياه في الحشر.ويقال: أمات نفوسَ الزاهدين بالمجاهدة، وأحيا قلوبَ العارفين بالمشاهدة.ويقال: أماتها بالهيبة، وأحياها بالأُنْس.ويقال: بالاستتار، والتجلِّي.ويقال: بالإعراض عنه، والإقبال عليه.ويقال: بالطاعة، والمعصية.قوله جلّ ذكره: {وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنثَى}.سماهما زوجين لازدواجهما عند خلْقهما من النُّطْفة.قوله جلّ ذكره: {وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى}.{أَغْنَى}: أعطى الغِنَى، {وََأقْنَى}: أكثر القنية أي المال: وقيل {وَأَقْنَى}: أي أحوجه إلى المال- فعلى هذا يكون المعنى: أنه خَلَقَ الغِنَى والفقر.ويقال: {وََأقْنَى} أي أرضاه بما أعطاه.ويقال: {أَغْنَى} أي أقنع، {وَأَقْنَى}: أي أرضى.{وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى}.(الشِّعرى: كوكبٌ يطلع بعد الجوزاء في شدة الحر، وكانت خزاعة تعبدها فأَعْلَمَ اللَّهُ أنه ربُّ معبودهم هذا).{وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الأُولَى وَثَمُودَاْ فَمَآ أَبْقَى وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُواْ هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى}.عاد الأولى هم قوم هود، وعاد الأخرى هي إرَم ذات العماد، كما أهلك ثمودًا فما أبقى منهم أحدًا. وأهْلَكَ مِنْ قَبْلِهم قومَ نوحٍ الذين كانوا أظلمَ من غيرهم وأغوى لِطُولِ أعمارهم، وقوة أجسادهم.{وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى}.أي المخسوف بها، وهي قرى قوم لوط، قَلَبَها جبريل عليهم، فهي مقلوبة معكوسة.وقوله: {أَهْوَى} أي: أسقطها اللَّهُ إلى الأرض بعدما اقتلعها من اصلها، ثم عَكَسَها وألقاها في الأرض، فغشاها ما غشاها من العذاب.قوله جلّ ذكره: {فَبِأَىِّ ءَالاءِ رَبَِّكَ تَتَمَارَى}.فبأي آلاء ربك- أيها الإنسان- تتشكك؟ وقد ذكر هذا بعد ما عدَّ إنعامَه عليهم وإحسانَه إليهم.قوله جلّ ذكره: {هَذَا نَذِيرٌ مِّنَ النُّذُرِ الأُولَى}.هو محمد صلى الله عليه وسلم، أرسلناه نذيرًا كما أرسلنا الرُّسُلَ الآخرين.{أَزِفَتِ الأَزِفَةُ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ}.أي قَرُبَت القيامة. ولا يقدر أحدٌ على إقامتها إلا الله، وإذا أقامها فلا يقدر أحدِّ على ردِّها وكَشْفِها إلا الله.ويقال: إذا قامت قيامة هذه الطائفة- اليومَ- فليس لها كاشفٌ غيره. وقيامتُهم تقوم في اليوم غيرَ مَرَّةٍ. تقوم بالهَجْرِ والنَّوى والفراق.قوله جلّ ذكره: {أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ}.أفمن هذا القرآن تعجبون، وتكونون في شكِّ، وتستهزئون؟{وَأَنتُمْ سَامِدُونَ}: أي لاهون.{فَاسْجُدُواْ لِلَّهِ وَاعْبُدُواْ}: فاسجدوا لله ولا تعبدوا سواه. اهـ.
قال أبو عبيدة: المسمود: الذي غنى له وقال عكرمة: كانوا إذا سمعوا القرآن تغنوا فنزلت هذه الآية وهذا لا يناقض ما قيل في هذه الآية من أن السمود الغفلة والسهو عن الشيء قال المبرد: هو الاشتغال عن الشيء بهم أو فرح يتشاغل به وأنشد: وقال ابن الأنباري: السامد اللاهي والسامد الساهي والسامد المتكبر والسامد القائم.وقال ابن عباس في الآية: وأنتم مستكبرون وقال الضحاك أشرون بطرون وقال مجاهد: غضاب مبرطمون وقال غيره: لا هون غافلون معرضون.فالغناء يجمع هذا كله ويوجبه فهذه أربعة عشر اسما سوى اسم الغناء. اهـ.
أي: تَعُدُّ النجومَ، وقيل: بل المرادُ نجمٌ معين. فقيل: الثُّريَّا. وقيل: الشِّعْرَى لذِكْرِها في قوله: {وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشعرى} [النجم: 49]. وقيل: الزُّهْرة لأنها كانت تُعْبَدُ. والصحيح أنها الثريَّا، لأنَّ هذا صار عَلَمًا بالغَلَبة. ومنه قول العرب: إذا طَلَعَ النجمُ عِشاءً ابتغى الراعي كِساءً.وقالوا أيضًا: طَلَعَ النجمُ غُدْيَة فابتغى الراعي كُسْيَة.وهَوَى يَهْوي هُوِيًّا أي: سقط من علو، وهَوِي يَهْوَى هَوَىً أي: صَبَا. وقال الراغب: الهُوِيُّ سقوطٌ مِنْ عُلُوّ.ثم قال: والهُوِيُّ: ذهابٌ في انحدارٍ. والهوى: ذهابٌ في ارتفاع وأَنْشد: وقيل: هَوَى في اللغة خَرَقَ الهوى، ومَقْصَدُه السُّفْلُ، أو مصيرُه إليه وإن لم يَقْصِدْه. قال: وقد تقدَّم الكلامُ في هذا مُشْبَعًا.{مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3)}.وقوله: {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ}: هذا جوابُ القسم. و{عن الهوى} أي ما يَصْدُرُ عن الهوى نُطْقُه فـ {عن} على بابِها. وقيل: هي بمعنى الباء. وفي فاعِل {يَنْطِق} وجهان، أحدُهما: هو ضميرُ النبيِّ عليه السلام، وهو الظاهرُ. والثاني: أنه ضميرُ القرآن كقوله: {هذا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بالحق} [الجاثية: 29].{إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)}.قوله: {إِنْ هُوَ}: أي: إنْ الذي يَنْطِق به، أو إنْ القرآن.قوله: {يوحى} صفةٌ ل {وَحْيٌ}. وفائدةُ المجيْءِ بهذا الوصفِ أنه يَنْفي المجازَ أي: هو وحيٌ حقيقةً لا بمجردِ تسميتِه، كما تقول: هذا قول يقال. وقيل: تقديرُه: يُوحى إليه، وفيه مزيدُ فائدةٍ.{عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5)}.
|